أحدث_الأخبار
السوداني … قيادة عاقلة
  • يونيو 6, 2023 - 10:45 ص
  • 47
حجم الخط

السوداني … قيادة عاقلة

 

سعد الأوسي
لم تلتفت ايّ من الحكومات المتتالية على السلطة طوال العشرين عاما التي مضت من تاريخ العراق الديمقراطي الى اوضاعه الاقتصادية، حاضره ومستقبله ومصير اجياله القادمة، وكانت كل الطبقة السياسية على اختلاف اهوائها وانتماءاتها واحزابها وطوائفها، مشغولة بالصراعات والتناحرات والمنافسات على المناصب والمكاسب، والتسابق المحموم على تنفيذ اجندات الجهات الراعية، عربيةً او اقليميةً او دولية، والجميع مسترخون مستلقون على ظهورهم يرتضعون من ثدي العوائد النفطية على وهم انها لا تنضب ولا تنقطع خيراتها.
منذ عشرين عاما و العراق لا يفعل شيئا سوى انه يستخرج النفط ويبيعه ويعيش بثمنه، كوارث خائب عاطل عن العمل يبعثر ثروة أبيه غير آبه بما يخبئه الغد من مصير محتوم، افلاساً وجوعاً و ندماً ومستقبلاً مجهولا.
ولا اعلم لماذا لم تفكر الحكومات السابقة التي تحمل في مسؤوليتها امانة البلد، بالاجابة عن اسئلة مصيرية رغم مئات المستشارين العباقرة الذين يقبضون رواتب فلكية وتملأ شوارع العاصمة مواكب سياراتهم وحماياتهم وكشختهم ونفختهم،
– ماذا سيحدث بعد ان ينفد النفط في الارض ؟؟؟
– او ماذا سيحدث لو اصبح النفط سلعةً مرذولةً لاسوق لها في ظل التحول الصناعي الخطير في مجالات الطاقة النظيفة والاعتماد على الطاقة الشمسية ومحركات الكهرباء ؟؟
– ماذا سيحدث اذا تطور استخراج النفط الصخري واصبح بتكاليف واطئة منافسة للنفط التقليدي، وهو امر شبه حتمي الحدوث، تعمل عليه كبرى دول العالم وترصد على ابحاثه مليارات الدولارات واولها امريكا والصين ؟!
– ولماذا لا يكون للعراق رؤية اقتصادية استراتيجية تضع في خططها ايجاد موارد اخرى للبلد وتشجع الصناعة والزراعة والسياحة اسوة بالعديد من اقتصادات العالم المزدهرة والتي لا تعتمد على بترول او سواه كاليابان والمانيا وكوريا والصين ؟؟!!
– ومتى سيفيق العراق من غفلته وفوضاه وفساد طبقته السياسية الحاكمة ليفكر بهاوية الغد المظلم الذي يسير اليه، وسيسقط فيها لامحالة.
– لماذا فكر الكويتيون بمستقبل ابنائهم فأسسوا صندوقاً ادخاريا استثماريا بمئات مليارات الدولارات لاجيالهم القادمة، ولم نفكر نحن بمثيله ؟!، وكذلك يفعل السعوديون بخطط استثمارية صناعية وتكنلوجية وزراعية واعمارية وتجارية تحسبا ليوم نضوب نفطهم وهو يوم قادم محتوم بلا ادنى شك.
– وكيف استطاع الاتراك التحول في عشرين سنة فقط (نفس الفترة الزمنية التي كان العراق مشغولا فيها بالحروب الاهلية والطائفية والفساد)، الى دولة صناعية عظيمة واقتصاد قوي متين ونهضة شاملة في الاعمار والتكنلوجيا والمواصلات، رغم انهم كانوا قبل ذلك التاريخ في اسوأ الاوضاع يرزحون تحت مديونية مالية كبيرة ويعانون من اوضاع معاشية صعبة ؟
– كل هذه الاسئلة والامثلة وسواها كثير ماتزال تدور منذ عشرين عاما عجافا ولا من سميع ولا من مجيب. جميعهم يعدون و لا يفون، ويحلفون ولا يصدقون ويرسمون ولا ينفذون، وينشغلون بتقاسم العمولات والرشى والسرقات الكبيرة لبناء حياتهم المرفهة خارج العراق بعد الخروج من المنصب. لم يفكر احد ابدا في المصير الاسود الذي ينتظر اقتصاد البلد وهاوية الفقر والتخلف التي سيسقط فيها لامحالة، فالعراق الذي جاءوه وحكموه بعد غربات طويلة لم يعد وطنهم المأوى الذي يجب ان يحبوه ويعمروه بل مجرد محطة او مغارة مال يحملون منه اكبر قدر يستطيعون ثم يقولون له بلا اسف او اسى : باي باي لا محمودا ولا مشكورا. والمصيبة اننا كشعب بعد عشرين عاما من (الكفخات والدمغات والسطرات)، تدبغت بها جلودنا وتبلدت عقولنا ومشاعرنا وانمحت ذاكراتنا، لم نعد معنيين بحاضر ولا مستقبل، ولا سياسة ولا اقتصاد، ولا نسأل مسؤولا عما اقترفت يداه وخانت ذمته. ثم على حين فجأة وانتظار يائس تلوح في الافق بشائر تغيير، ستراتيجية واعدة و عمل دؤوب صامت وهمة حازمة و يد أمينة لم تتلوث بخيانة او مال حرام، تعرف كيف تخطط و تنفذ، غير مثقلة بعقد سياسية او طائفية او قومية، متفتحة الافكار مفتوحة الابواب، اولويتها الوطن كل الوطن والشعب كل الشعب. هكذا بدأ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ولايته الحاكمة، واعداً ان يكون عهده عهد الاصلاح والتغيير والبناء، واعادة هيبة الدولة وكيانها ومكانتها. وطوال مدة ولايته للاشهر التسعة الماضية اثبت الرئيس شياع السوداني انه رجل التغيير المنشود وانه ينفذ خططه بدقة وحكمة وعزم، وانه رئيس غير مثقل بعقد وعداءات وتقاطعات تعيقه عن تحقيق الاهداف الاستراتيجية والتي طالما عرقلت وعوقت مسار البلد وعطلت دوره الاقليمي والقومي والدولي، كل هذا تجلى بوضوح في مسعاه الدؤوب لتشكيل نواة كتلة اقتصادية عربية اقليمية للتنمية المستدامة تضم العراق والسعودية وتركيا وايران والاردن وسوريا والكويت وقطر والامارات، كان باكورة اعمالها الاعلان عن مشروع النهضة الجديد مشروع طريق التنمية الذي يربط قارتي اسيا واوروبا بخطوط مواصلات عديدة تبلغ اكثر من 1200 كم عبر العراق لنقل البضائع والسلع بين القارتين. وكان الاعلان عنه في الاجتماع الذي عقد برئاسة السوداني في 27/5/2003، ولم يكن هذا الاجتماع لينعقد وهذا المشروع العملاق لينطلق لولا حرص السوداني على تخطي عقبة الخلافات السياسية بين دول المنطقة والتركيز على التعاون الاقتصادي والمصالح المشتركة كبديل جامع، وكان اول بوادره اعادة العلاقات الدبلوماسية بين ايران والسعودية، وعودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية وضم تركيا الى اطار العمل الاقليمي المشترك. وربما لخّص موقف ولي عهد السعودية ورجلها القوي الامير محمد بن سلمان مدى التقدير العالي لدور الرئيس السوداني في هذا الصدد بقوله له: ( انا ووزرائي جميعا مستشارون عندك، والسعودية مستعدة للاستثمار في العراق لغاية 100 مليار دولار ). ولا يخفى مدى اهمية هذا القول من رجل يعدّ احد اهم القيادات العربية والاقليمية، ومعانيه الكامنة في الميزان السياسي والعلاقات الدولية. وفي ذات السياق يمكن ان نضع تصريح مساعدة وزير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي حول سياسة الرئيس محمد شياع السوداني الاقتصادية حيث قالت : (ان الحيوية الاقتصادية في العراق بدأت تظهر جليّةً للمرة الاولى). وهو امر يدعو للوقوف عنده وتقديره خاصة اذا عرفنا ان باربرا ليف هي ذات المسؤولة الامريكية التي صرحت قبل شهر من تولي شياع السوداني لرئاسة الوزراء عكس ذلك تماما حين قالت: ( ان العراق على شفا الانهيار)..!!. والفرق بين التصريحين هي الشهور التسعة من ولاية شياع السوداني فحسب. ان العراق مقبل بهذا المشروع على انطلاقة اقتصادية وصناعية كبيرة، حيث من المقدر ان يوفر 100 مائة الف فرصة عمل وتقدر ارباحه المبدئية باكثر من 4 مليار دولار سنويا، هذا غير اقامة الاف المشاريع الاستثمارية والمدن الصناعية الذكية على طول الطريق فضلا عن تنشيط التجارة الداخلية وتطوير قطاع النقل والنهوض بالسياحة التي يمكن ان تكون رافدا اقتصاديا قويا في الناتج القومي. اعتقد ان السوداني بسياسته الرصينة العاقلة وادارته الحكيمة الخالية من العقد والعداءات الاقليمية الجاهلة قد بدأ مساره الحقيقي للخروج بالعراق من ازماته المتراكمة على مدى نصف قرن من الاحتراب السياسي العابث والمغامرات المجنونة، وانه بدأ خطته الاقتصادية العظيمة للخروج من نير الاقتصاد الريعي المعتمد كليا على عوائد النفط، وايجاد البدائل التي تتسق مع التحولات الاقتصادية والتكنلوجية في العالم لضمان مستقبل البلد وحماية اجياله القادمة، وتغيير رؤاه السياسية الى مزيد من الواقعية والموضوعية والرصانة والتفاهم الاقليمي المشترك الذي صار حتماً بعد التحديات العالمية الجديدة التي تجبر الجميع على ايجاد لغة تكامل وتعاون مشتركة، وبعد ان حولت وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة العالم بكل ارجائه الى قرية واحدة.
ترى هل عرفتم الان لماذا احتاج العراق الى قيادة عاقلة متزنة متنورة مثل الرئيس محمد شياع السوداني، والى اي بر أمان سيعبر بنا لو آمنا به ووقفنا الى جانبه ؟!

مواضيع قد تعجبك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *