حكومة الزناگين
سعد الأوسي
حين جاء الاطاريون غير المتسقين الا في شعاراتهم الانتخابية و صور اجتماعتهم الاولى، الى سدّة الحكم بعد اقصاء الشركاء وابناء الجلدة اصحاب الحق الشرعي، وعدوا الناس بالاصلاح والفلاح و حتمية النجاح
و اعادة هيبة الدولة المهدورة بسبب الحكومة السابقة الفاسدة (المنخورة) كما قالوا !!!!.
فاستبشرنا و بشّرنا وهللنا و كبّرنا، وقرأنا الفاتحة على روح الفساد واللصوصية و صفقات الفساد و سطوة مراكز القوى ورجال الاعمال (الخراتيت). و وزعنا خبز العباس الساخن المعطّر بالرشاد والريحان على امل ما سيكون من تحقيق الوعود والوفاء بالعهود.
تظاهرنا وهتفنا وكتبنا و نشرنا و وعدنا و توعدنا باطاحة عروش الفاسدين الفاسقين اهل المال والاعمال الحرام و كلاب حراستهم من رجال السياسة القذرين.
الا ان فرحنا المختال الفخور الغارق حتى اذنيه في حسن الظن والتفاؤل والثقة، سرعان ما انكفأ على وجهه و (تكردحت) يداه ورجلاه وبطنه جزاءً وفاقاً على غفلته وسذاجته و ثقته التي ليست في محلّها، واحلامه الوردية الساذجة رغم انه يعيش منذ 20 عاما في بيئة سياسية مصخمة ملطمة لا تخرجه من حفرة حتى توقعه في هاوية.
فكان من اهم ملامح عهد الاصلاح والتغيير واعادة الدولة (شعارات التنسيقيون المعلنة)، مزيد من تجبر و تعملق الهوامير الذين وُعِدنا باطاحة سلطانهم الغاشم و هيمنتهم على الدولة، وتحولهم ديناصورات مخيفة بالغة الضراوة والقدرة والاستمكان المالي والسياسي !!!
فانقلبت ملياراتهم الى ترليونات ومشاريعهم الى شبكات و شركات قابضة عابرة للقارات، و قدراتهم السياسية الى يد عليا متجبرة لا تعلوها الا يد الله، بعد ان وجدوا في احضان الحكومة الجديدة كنفاً مضموناً و حضناً مأموناً اعطاهم ما لم تجرؤ حكومة سابقة ان تعطيهم عشر معشاره ومكّنهم مما لا يطيقه الامكان ولم يستطيعه قبلهم انس ولا جان !!!.
وبعد ان كانوا شركاء خفيين في الحكومات السابقة يتحركون في الكواليس المظلمة اصبحوا سلاطين مالكين علنيين بقوانين وقرارات وارادات حكومية رسمية عليا، شرعنتهم و اسست لهيمنتهم المطلقة على الحاضر و المستقبل السياسي للبلاد، بعد ترسيخ مبدأ ان من يمتلك المال يمتلك السلطة و طزززززز في ارادة الشعب ورأيه و صناديق اقتراعه.
صرنا نعرف الان وعلى عينك يا تاجر كما يقال، ان الحكومة بل الحكومات جميعاً -حاليا ومستقبلا و حتى يقضي الله فيهم و فينا امره- ستكون حكومات (الزناگين) الكبار فقط. وان (مناضلي الاحزاب المعارضة ) الذين كانوا بالامس حسينيون علويون زاهدون او اشتراكيون بروليتاريون ليبراليون، يهتفون ضد الظلم الغاشم والطبقية المقيتة و يطالبون بحقوق الشعب (المسكين المضطهد) والاطاحة بالنظام الدكتاتوري (الظالم) من اجل اشاعة الحرية وتحقيق دولة العدالة والمساواة !!!
اصبحوا اليوم بعد ان وصلوا الى سدة الحكم وعششوا فيها و ملكوا جميع مخارجها ومداخلها، سادةً متعالين وبرجوازيين متغولين يؤسسون لاعادة عهد الاقطاع والعبودية وسلطة الاقلية الحاكمة المختارة من اهل الحكم واهل الثروات ولكن بوجه جديد هجين متطور يجعلنا نحسد ونغبط العصور الجاهلية والوسطى المظلمة التي كان السادة فيها يملكون الارض والعرض والحرث والنسل اجمعين.
في تطور وتفاقم وتعاظم يسلمه حاكم الى حاكم و رئيس الى رئيس واطار الى اطار بتنسيقات و اتفاقات وتوافقات مصالح تلتقي في ذات البؤرة والهدف سواء كانت ارادية مؤسسة او عشوائية توحدها الاطماع والطموحات و عقد نفوس الساسة الحاكمين الخائفين من العودة الى حضيض ما كانوا فيه ذات يوم ليس ببعيد.
اليوم حين نستعرض المشهد العراقي في كل تمثلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية و بجميع المقاييس والموازين لا نستطيع ان نصنّف في العراق الا طبقتين فحسب ،حكاماً مطلقين ومحكومين مستلبين، سادة وعبيدا، اثرياء جبارين وفقراء مسحوقين، اقليّة من اهل السطوة الباطشين واكثرية من اهل الجوع المنكسرين بالفقر والمرض واليأس والخوف من الغد المجهول.
حكامنا اليوم الذين جاءوا من امس بالٍ مهترئ ببطون خاوية و نفوس مقموعة اصبحوا اليوم سادتنا وتاج راسنا و دولاً ومعالي وفخامات ، ويجب ان نقبل الارض بين ايديهم صباح مساء كي نرد بعض افضالهم علينا.
واكتشفنا متأخرين انهم جميعا ينحدرون من اصول نبيلة و ارستقراطيات قديمة و مشيخات معتبرة وعوائل صناعية كبيرة كما يدعون ، وانهم جميعا دخلوا الى العملية السياسية وهم يملكون مئات ملايين الدولارات وان المناصب السياسية لم تمنحهم شيئاً بل هم (شرّفوها) !!!
وان الهيل و الهيلمان الذي هم فيه الان هو بعض من فضل آبائهم و اجدادهم وليس من فضل الوطن التعبان او الشعب الجربان الذي هو نحن بلا فخر !!!!
مع ان صور امسهم ماتزال موجودة حاضرة ، و مناظر ملابسهم الرثة و وجوههم الشاحبة فقيرة الدم والحياء تملأ مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، ولكن سبحان العاطي الوهاب بعد الشبشب والقبقاب.
حكامنا الارستقراطيون سليلو الحسب والنسب والمال والاعمال والاقطاعيات التي لا تغيب عنها الشمس (حسب تصريحاتهم)، صاروا لا يؤاخون ولا يتصاحبون ولا يثقون و لا يعملون و لا يتشاركون الا مع ديناصورات المال الجدد ،و تقديرا لهذه الصحبة يحيلون لهم كل العقود والصفقات الحكومية والمشاريع الاستثمارية الكبرى، و يعطلون لاجلهم القوانين والتعليمات و يتجاوزون السياقات و يغيرون الضوابط و يستثنونهم منها !!!
في تخادم مصلحي وثيق (يبني الحاضر ويضمن المستقبل) !!!.
كل ذلك من اجل الوطن والشعب طبعاً !!!!!
والشواهد في السنوات العشر الاخيرة على اختلاف حكوماتها ماثلة صارخة يُبصرها الاعمى و يسمعها الأصم.
ومن اراد دليلاً فلينظر على سبيل المثال لا الحصر الى مهزلة منح اثني عشر مليون متر مربع و معها اكبر قصر حكومي رئاسي مجاناً لانشاء الجامعة الامريكية في بغداد الى مستثمر لا يحمل الشهادة الاعدادية …..!!!؟؟؟؟
ومن اراد دليلا آخر فلينظر الى منح اراضي مطار المثنى مجانا ايضاً الى (رجل اعمال) عراقي امريكي (يعني يشتغل سايدين وجه وگفا )، كي يبني عليها شققا سكنية لابناء الشعب المساكين ويبيعها لهم بسعر تشجيعي قدره نصف مليون دولار فقط للشقة الواحدة (يا بلاش)، ونظرا لجدية هذه المشاريع الشعبية قررت هيئة الاستثمار منح المستثمر نفسه مساحات جديدة اخرى لبناء شقق وفلل يصل سعرها إلى مليوني دولار فقط !!!، ثم كرّموه بقطعة أرض داخل المطار ليبني مدرسة خاصة (شعبية ايضاً) اجور الطالب فيها ستة الاف دولار فقط ( خل ياكلون مادام خالهم طيب)…!!
مع الاشارة الى ان راتب الطبيب والصيدلاني والمهندس في الدولة العراقية لا يتجاوز 500 دولار شهرياً ، مما يعني ان المواطن صاحب اعلى تحصيل جامعي سيحتاج الى 83 سنة كي يسدد ثمن الشقة ام النص مليون دولار ( هذا باعتبار انه لن يأكل ويشرب ويلبس ولن يستعمل المواصلات طوال تلك السنوات الثمانين، ولن يتزوج او ينجب او حتى يموت لانه لا يملك ثمن كفنه وقبره).
ومن استزادنا ادلّةً فلينظر (ببراءة الاطفال طبعا) الى تشكيلة الوفد الحكومي الرسمي في اهم لقاء سياسي خارجي مع الرئيس والادارة الامريكية في البيت الابيض العتيد بواشنطن دي سي، ومن ظهر في عناوين الاخبار والشاشات وجيهاً متصدراً يوقّع عقود الاستثمار المشترك مع الامريكان بمباركة الحكومة العراقية التي كانت واقفة تصفّق (( للاوتچي صاحب مكوى الرداء الابيض )) وهو يجلس نيابةً عنها على طاولة الرئاسة الامريكية ….!!!!.
و من استزاد ايضاً ، فلينظر الى الاستثمارات المليارية الممنوحة لزعطوطين تافهين ظهرا في السنة الاخيرة على سطح كرنفال السلب والنهب العراقي، بمباركة الحكومة الاصلاحية الحالية وتحت جناحي عنايتها، بامتيازات و عقود تفضيلية صارخة الخرق والافتئات على القانون بالغة التمادي والاستهانة والاحتقار لنا كشعب ووطن .
و بعيداً عن لغة التورية والمجاملة او حسابات الخوف من القيود الدكتاتورية الصارمة المفروضة على الاعلام، اقول ان الامر لا يحتاج الى تحليلات و استقراءات وادلّة وقرائن وشهود كي نسمي الاشياء باسمائها ، فالذي فتح وافسح الطرق امام هذين الطرطورين الدعيين ومن سبقهما من اللصوص، فعلها امام اعيننا جميعا و بتحدٍّ سافر يمدّ لنا لسانه ويقول: هؤلاء هم عترتي وآل حكمي وبهم اباهلكم ايها العراقيون، و من يعترض فليشرب من البحر و (الفيزا علينا) !!!.
ربما سأبدو مبالغا حين اقول انني منذ اطلعت على وثائق وعقود هيئة الاستثمار الوطنية وكذلك هيئة استثمار بغداد الممنوحة الى هذين الطرطورين وسواهما من اللصوص ، لم اعد انام جيدا و لا اكاد املك زمام نفسي من الغيظ والقهر و الخيبة ، واحسّ كأنني اشيخ عشرة اعوام ثقال بعد كل صفحة اقرأها غير مصدّق.
اذ هل يعقل ان يمنح معسكر الرشيد ومستشفاه بكل اراضيه ومشتملاته المترامية الارجاء الشاسعة المساحة، مجانا الى صبي تافه (شعّار خمّار) لم يبن في حياته مرحاضاً، كي يبني لنا مجمعات سكنية استثماريةً ثم يبيعنا اياها بمليارات الدولارات، التي سيتقاسمها مع عرابه الحكومي !!!؟؟
مع ضرورة الاشارة الى ان شركة هذا الولد الزعطوط المنفذة للمشروع، ليست شركة مقاولات وبناء بل شركة نقليات !!!!!
وليت المصيبة تقف عند سلب اراضي معسكر الرشيد ومستشفاه ، فالوثائق تقول انهم سبقوها و اعقبوها بعقود اخرى اشدّ كفراً و نفاقاً وربحاً وعمولات.
ومنها على سبيل المثال:
3600 دونم قرب مطار بغداد الدولي اي 9.000.000 تسعة مليون متر مربع لا يقل ثمن المتر فيها عن الف دولار، وبضمنها كذلك قصور رئاسية عملاقة و مجموعها يفوق 9 مليار دولار وضعتها الحكومة عن طيب خاطر في جيب زعطوط في الثلاثين من عمره !!؟؟؟
تحت مسمى شركة العاصم !!!
لماذا و كيف ؟؟
ذلك هو السؤال وتلك هي العلّة،
والجواب بسيط جدا، فحواه ان هذين الزعطوطين اصبحا الان واجهتين ماليتين لرأس سياسي كبير جدا وجهة حزبية نافذة، وهما (سنيّان) ليس لهما جذور قوة و ردع، يعني مو من (( جماعتنا )) مما يضمن عدم انقلابهما على عرابهما او الجهة السياسية التي تسندهما و سرقة خميرهم و فطيرهم من هذه الصفقات (السرقات) المليارية التي يضمنون بها مستقبل العيال والاطفال بعد خروجهم من العمل السياسي وهو توقّع قريب يشعرهم بالخوف والاسف على سلطان لم يدم لهم طويلا.
و لابد من الاعتراف لهذه الجهة السياسية وللعرّاب الكبير بحسن الاختيار في هذين الزعطوطين، كونهما سليلي فاسدين عريقين خبيرين بكل اعمال غسيل وتبييض الاموال، مما يعني ضمان وسلامة وصول ملياراتهم الى ملاذاتها الآمنة في الخارج.
مع وجوب تذكيرهم ان كل الحسابات والتحسبات والتخطيطات والضمانات المستقبلية غير مأمونة ولا مضمونة ولا يعلمها احد، وان اقدار الغد معلقة بيد القدير العزيز الذي فرض الحقوق ووضع الموازين والاحكام و قسّم الارزاق، وقال في حديثه القدسي لكل طامع لاهث مستقتل وراء المال غير مبال بحرام او حلال :
(وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا).
حاول ايها العراب الا تكون ذلك المذموم عند الله،
لانه لن ينفعك ان تكسب الدنيا كلها وتخسر نفسك.
فالتاريخ لن يرحمك والوطن لن يسامحك والشعب سيلعنك والمنتقم الجبار المقتدر سيأخذك، ثم تكون جهنم بعد ذلك مأوى ومثوى ومقاماً حتى ابد الابدين.
اترك تعليقاً